الإعجاز الطبي في الصوم... بشهادة الغربيقول صاحب الظلال في معرض تفسيره لآيات الصوم: «... وذلك كله إلى جانب ما ينكشف على مدار الزمن من آثار نافعة للصيام في وظائف الأبدان، ومع أنني لا أميل إلى تعليق الفرائض والتوجيهات الإلهية بما يظهر للعين من فوائد حسية، إذ الحكمة الأصلية فيها هي إعداد الكائن البشري لدوره على الأرض، وتهيئته للكمال المقدر له في الحياة الآخرة... مع هذا فإني لا أنفي ما يكشف عنه العلم من فوائد لهذه الفرائض، فنحن حينما نصوم، إنما نتعبد بهذا الصوم خالقنا العظيم جل جلاله، الذي أمرنا بالصيام، امتثالاً لأمره سبحانه وخضوعاً لإرادته. وإن ما يكشفه العلم لنا من فوائد صحية لهذا الصوم فما هي إلا عظات، تزيد المؤمن إيماناً بصدق مبلغ الشريعة صلى الله عليه وسلم وحباً بالخالق البارئ منزل هذا التشريع».
ولعل أبوقراط - القرن الخامس قبل الميلاد - أول من قام بتدوين طرق الصيام وأهميته العلاجية، واستخدمه البطالسة والمصريون القدماء لتعجيل الشفاء، كما نجد للهنود والبراهمة والبوذيين تقاليدهم الخاصة في الصوم الذي فرض على جميع الأمم السابقة كما يتبين لنا من النص القرآني:
- «يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم» (سورة البقرة: الآية 183) وكما تبين لعلماء الطبيعة فجميع المخلوقات الحية تمر بفترة صوم اختياري مهما توفر الغذاء من حولها.
يقول الكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في كتابه «الإنسان ذلك المجهول»: إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية وهي التكيف على قلة الطعام، إن الصوم يحرك سكر الكبد ويتحرك معه أيضاً الدهن المخزون تحت الجلد وهو ينظف ويبدل أنسجتنا، والصوم الذي يقول به كاريل يطابق تماماً الصوم الإسلامي من حيث الإمساك.
وأكد البروفيسور نيكولايف بيلوي من موسكو في كتابه «الجوع من أجل الصحة 1976» أن على كل إنسان أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة 3 - 4أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته أما ماك فادون من علماء الصحة الأميركيين فيقول: إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله ويقل نشاطه، فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه، وكان فادون يعالج مرضاه بالصوم وخصوصاً أمراض المعدة ويقول: ...فالصوم لها مثل العصا السحرية.
وتظهر أبحاث الغرب أن الصيام ليوم واحد يطهر الجسم من فضلات عشرة أيام، وهكذا فإن شهر الصيام يطهر الجسم من فضلات وسموم عشرة أشهر على الأقل، ونرى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المعجز بصيام ستة أيام من شوال؛ حتى تكتمل عملية التنظيف، وأردفه بأيام معدودات من كل شهر لكمال الحيطة، يقول صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصوم الدهر» رواه الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري.
أما عن أثر الصيام على القدرات الفكرية فهو يضاعف نشاط وحيوية الخلايا الدماغية لتوقف نشاط الجهاز الهضمي فيندفع الدم بغزارة إلى أنسجة المخ، الذي يحتوي على 15 ألف مليون خلية قادرة على التفكير والتعمق في المسائل المعقدة وحلها، وتزداد هذه القدرة مع زيادة ورود الدم إليها، وهكذا نرى أصحاب العقول المفكرة يصومون كل فترة لتجديد نشاط أدمغتهم.
وبيّن ألن سوري Alain Saury قيمة الصوم في تجديد حيوية الجسم ونشاطه ولو كان في حالة مرض، وأورد حالات عدد من المسنين، تجاوزت أعمارهم السبعين، استطاعوا بفضل الصوم استرجاع نشاطهم وحيويتهم النفسية والجسمية، وللعطش أيضاً فوائده: فزيادة الهرمون المضاد لإدرار البول (ADH) المستمر طوال فترة الصيام يزيد القدرة على التعلم ويقوي الذاكرة· لذلك فالقدرة العقلية تتحسن عند الصائمين وزيادة إنتاج البروستاجلاندين (Prostaglandine)، له دور في حيوية ونشاط خلايا الدم الحمراء، وبعض أنواعه يقلل حموضة المعدة، كما أن له دوراً في علاج العقم؛ لأنه يحلل الجسم الأصفر ما يؤدي لتنظيم دورة الحمل عند المرأة.المعجزة النبوية بالنهي عن الوصال في الصوميتضح لنا أهمية كون الصيام الإسلامي موقتاً من الفجر إلى الغروب من دون تحريم لنوع ما من الأغذية ففي الصيام المتصل الذي يمتنع فيه الإنسان عن تناول مواد معينة لفترات طويلة، وبعد أن يستهلك البدن مدخراته من الغليوكوجين والشحوم، يلجأ لأكسدة المواد البروتينية ويحولها لسكر لتأمين طاقته، وهذا يعني تخريبه للنسج البروتينية المكونة للعضلات وغيرها، ويؤدي الحرمان الشديد إلى ظهور اضطربات غذائية عصبية في الدماغ المتوسط مما يؤثر على الغدد الصماء وعلى السلوك والانفعال النفسي... عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والوصال» قالها ثلاث مرات· قالوا فإنك تواصل يا رسول الله ؟ قال: «إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» رواه الشيخان، وعن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صام من صام الدهر» رواه البخاري، وقال مغضباً حين علم أن أناساً قرروا صيام الدهر: «أما والله إني أخشاكم الله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» رواه البخاري ومسلم، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل فإن لجسدك عليك حقاً، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر»، قلت: يا رسول الله إن لي قوة، قال: صم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً، فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة. رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا» رواه الإمام أحمد.
لقد قام عدد من الباحثين الغربيين، ومنذ أواخر القرن الماضي، بدراسة آثار الصوم على البدن منهم: هالبروك Holbrook الذي قال: ليس الصوم بلعبة سحرية عابرة، بل هو اليقين والضمان الوحيد من أجل صحة جيدة.
وفي أوائل هذا القرن قام الدكتور دووى Dewey بأبحاث موضوعية عن الصوم لخصها في كتابه «الصوم الذي يشفي». كما قامت مناظرات عدة تناقش هذا الموضوع لعل أهمها مناظرة Ecosse التي جمعت مشاهير الأطباء البريطانيين والمهتمين بتقويم الصحة وتدبير الطعام، كان على رأسهم طبيب الملك ويلكوكس Wilcox. وأجمع الحاضرون على أهمية تأثير «الصوم الصحي» على الإنسان.
والصوم الصحي أو الصوم الطبي كما يسموه هو أقرب ما يكون إلى «صومنا الإسلامي».
خلاصة لأهم الدراسات:منها دراسة شلتون Shelton في كتابه عن الصوم Le Jeune· ودراسة لوتزنر H· lutzner في كتابه «العودة إلى حياة سليمة بالصوم».
1 - يؤدي الصوم إلى ضبط الثوابت الحيوية في الدم وسوائل البدن؛ ولذا نرى الإجماع الطبي على ضرورة إجراء الفحوص الدموية على الريق، أي يكون المفحوص صائماً.
2 - بفضل الصوم يستطيع البدن تحليل المواد الزائدة والترسبات المختلفة داخل الأنسجة المريضة.
3 - الصوم يعيد الشباب والحيوية للخلايا، أكدت أبحاث مورغوليس Morgulis أن الصوم وحده قادر على إعادة شباب حقيقي للجسد.
4 - الصوم يجمل الجلد تماماً كمرهم التجميل، فالامتناع عن الطعام والشراب مدة ما، يقلل نسبة الماء في الجسم والدم فتقل في الجلد، وبالتالي تزداد مقاومة الجلد للأمراض المعدية والميكروبية كما تقل حدة الأمراض الجلدية الالتهابية والحادة المنتشرة بمساحات كبيرة في الجسم، ويعالج الصيام أيضاً، أمراض البشرة الدهنية وأمراض زيادة الحساسية.
5 - يخفف العبء عن الجهاز الدوري، وتهبط نسبة الكولسترول فتقل فرص الإصابة بتصلب الشرايين وجلطات القلب والمخ، كما تقل نسبة حمض البوليك مما يقي من الإصابة بالنقرس.
6 - التئام الجروح، ومحاربة الأمراض، كما يقول الدكتور ليك Liek: بفضل توفير الطاقة المخصصة للهضم وادخارها لنشاطات أخرى.
وكان الدكتور هلبا اHelba الفرنسي يعالج مرضاه بالإمتناع عن الطعام لبضعة أيام يقدم لهم خلالها وجبات خفيفة.
وفي عام 1941 صدر كتاب «المعالجة بالصوم كطريقة بيولوجية»، شرح فيه كيفية استخدام الصوم لعلاج كثير من الأمراض المستعصية، وبين أن الجوع يؤدي لطرح السموم من الجسم.
7 - الحماية من السكر: حيث يخفض نسبة السكر في الدم فيعطي البنكرياس فرصة للراحة.
8 - علاج آلام المفاصل: أثبتت التجارب أن صيام مدة لا تقل عن 3 أسابيع يخلص الجسم من الجراثيم ونفاياتها المسببة لعدد من أمراض المفاصل.
9 - الوقاية من الأورام إذ يمنع الصيام الزيادات الضارة مثل الحصوة والرواسب الكلسية والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية، والأورام في بدايات تكونها.
هذا بخلاف الفوائد النفسية التي يجنيها الصائم فالجوع يعلم السيطرة على النفس فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصوم نصف الصبر» رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه.
ومن وصايا لقمان لابنه قوله: «يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة».
من أسرار الافطار على التمر؟يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فالماء، فإنه طهور» رواه أبو داود والترمذي.
وتعرفنا العلوم الحديثة أن ثلثي المادة السكرية الموجودة في التمر تكون على صورة كيماوية بسيطة مما يجعل هضمها سهلاً جداً وهكذا يرتفع مستوى السكر في الدم في وقت وجيز، كما أن خلو المعدة من الطعام يجعلها والأمعاء قادرين على امتصاص المواد السكرية بسرعة كبيرة، ووجود الألياف السليلوزية بنسبة عالية في تركيب التمر تعمل كأسفنجة تمتص الماء داخل الأمعاء وتحدث تلين طبيعي فيتلافى الصائم الإمساك واضطرابات الهضم والبواسير، ثم يقوم المسلم بعدها لأداء الصلاة.